الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، أحمد سبحانه نهى العباد عن سلوك كل
طريق يُفضي إلى نار الجحيم ، وصلى الله وسلم محمد الداعي إلى طريقِ الجنة دارِ
النعيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد .. لقد
كان أهل الأرض قبل مجيء الإسلام ومبعث سيد الأنام محمد بن عبد الله عليه أفضل
الصلاة والسلام .. أما بعد
في ظلام دامس وضلال طامس ، فترة حالكة وزمن أسود مرّ على أهل الأرض ، غُيبت فيه
كثيرٌ من القيم والأخلاق ، ذبحت فيه فطر واغتيلت آداب ، وغيبت فيه عقول وهوت
فضائل ، نعم .. في تلك الحقبة من الزمن انغمست نفوس في لجج الجاهلية ، وانطمست
أنوارُ رسالات سماوية ، ولك أن تسرح أخي المشاهد أختي المشاهدة بخيالك الفسيح
وعقلك النير إلى تلك الأرض التي خلت صحراؤها ودهماؤها أرضها وسماؤها نسيمها
وهواؤها من نور الرسالة وبيان الحق ورحمة الإسلام ، لك أن تتأمل بحق وتمعن
النظر بصدق إلى أولئك القوم الذين يعيشون في مستنقع الجاهلية ، ومرابض الوثنية
، إلى أولئك الغارقين في وطأة الحروب وجفاف القلوب والأرواح ، لتتساءل .. كيف
كانوا يعيشون ..؟ لحاجَتُهم وربي في ذلك الزمن إلى بعثة رسول كريم ونبي طاهر
جليل أشد والله من حاجتهم إلى أكل ما يأكلون وشرب ما يشربون ، هم بحاجة وربي
إلى من يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، وينقذهم من غياهب الظلم إلى
معالم العدل ، فكانت الرحمة والهبة والمنة من الرحمن الرحيم ببعثة أرحم الخلق
أجمعين محمد بن عبد الله خاتم النبيين وسيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه ،
فأشرقت الأرض بهذه الرسالة بعد ظلمتها ، واجتمعت الأمة بعد شتاتها ، والتأمت
بعد جراحاتها ، نشر الإسلام عليه الصلاة والسلام وأقام سوق العدل ، وأخمد نار
المجوس ودمّر كبرياء اليهود وكشف ضلال النصارى ، برسالته عليه الصلاة والسلام
ملأ الله به الأرض عدلاً , والقلوب فقهاً وخشية ورحمة وإيماناً ، وصنع قادة
وسادة وأحباراً ، وفتح البلاد بالجهاد والقلوب بالحكمة والقدوة والرحمة ، فجّر
ينابيع العلم حتى ملأ مدارس العالم ومكتبات الدنيا بعلمه وحلمه وفهمه وخلقه
عليه الصلاة والسلام ، أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن
جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سَعتها وجاء بدين عظيم يحمل
للبشرية كل خير ، ويزيح عنها كل شر ، امتد نوره ساطعاً في أرجاء المعمورة
فاعتنقته قلوب سليمة وفطر مستقيمة ونفوس زكية طاهرة أعلنت للعالم ودوت في الملأ
أن هذا الدين هو دين الله ، وأن هذا الدين دين الحق ، وأن هذا الدين دين الفطرة
" فطرة الله التي فطر الناس عليها " " أفغير دين الله يبغون " " ومن أحسن من
الله دينا لقوم يوقنون " ..
أيها الأخوة المشاهدون ..
لقد جاءت الرسالة المحمدية بالدعوةِ إلى تزكيةِ النفوس وتقويمِ القلوب وإصلاحِ
الباطن والظاهر والخلقِ والسلوك ، جاءت الرسالة المحمدية لتدور مع أزكى السجايا
وأنبلِ الطباع وأحسنِ الأخلاق وأصلحِ الخصال رسالة أشرقت بنورها على الأرض
فأضاءت الدنيا ببهجتها ، رسالة تضمَّنت الزكاةَ والصلاحَ لحياة الناس أجمعين ،
فما من شيء تدعو إليه الفطر السليمةُ والعقول الحكيمةُ إلا ودعت إليه هذه
الرسالة ورغّبت فيه وما من شيء ترفضه العقولُ السليمةُ والطباعُ المستقيمةُ إلا
ونهت عنه هذه الرسالة وحذّرت منه ، بل لا تعجب أخي المستمع أختي المستمعة إن
قلت لك.. إن غاية هذه الرسالة هي إتمام وإصلاح مكارم الأخلاق .. نعم إن الغاية
التي بُعث من أجلها المعصوم هي مكارم الأخلاق ، وهاهو من اتَّصفَ بقمّة الكمالِ
الإنساني وغايةِ النُبْلِ البشري عليه الصلاة والسلام يعلن للعالم وينادي في
الملأ قائلا " إنما بُعثت لأتمِّم صالح الأخلاق " [ رواه أحمد ]
صلى عليك الله يا علم الهدى ما سار برق أو ترنم حادي
وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم .